التحقيق في نفي التحريف (7)

پدیدآورالسیدعلی المیلانی

تاریخ انتشار1388/09/16

منبع مقاله

share 320 بازدید
التحقيق في نفي التحريف (7)

السيد علي الميلاني
الفصل الرابع

نقد وتمحيص

قد ذكرنا أهم ما ورد في كتب أهل السنة مما هو نص أو ظاهر في نقص القرآن وتحريفه . . ثم عقبناه بما قاله أكابرهم في توجيهه وتأويله أو رده وتزييفه . . .
لقد استمعنا القول من هؤلاء وهؤلاء فأيهما الاحسن حتى نتبعه ؟

1 ـ الآثار في خطأ القرآن

إن هذه الآثار تفيد أن اولئك الاصحاب نسبوا « اللحن » و« الخطأ » و« الغلط » إلى القرآن . . وهذه جرأة على الله تعالى ، وإثبات نقص له ولكتابه ، وفي ذلك خروج عن الاسلام بلا كلام .
أما ما كان من هذه الآثار في الصحاح فأصحابها والقائلون بصحة جميع أحاديثها ملزمون بها ، فإما الالتزام بما دلت عليه ، وإما التأويل اللائق والحمل على بعض الوجوه المحتملة .
وكذا الكلام بالنسبة إلى ما روي من هذا القبيل بأسانيد صحاح عندهم في خارج الصحاح .
وأما الذين ردوا هذه الاحاديث وهم كثيرون جدا ، فقد اختلفت كلماتهم في كيفية الرد ، لان منهم من يضعف الرواية أو يستبعدها تنزيها للصحابي عن التفوه بمثل هذا الكلام ، حتى أن بعضهم قال : « ومن روى عن ابن عباس . . . فهو طاعن في الاسلام ، ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول » ومنهم من يقول : « هذا القول فيه نظر » أو : « لايخفى ركاكة هذا القول » ونحو ذلك . . . وظاهر هؤلاء تصحيح الحديث اعتمادا على رجاله ، ثم الرد على الصحابة أنفسهم .
وعلى كل حال . . فإن هذه الفئة من العلماء متفقة على أن هذه الاحاديث لا يجوز تصديقها . . قال الزمخشري بتفسير : « أفلم ييئس الذين آمنوا . . . » ( 2) : « ومعنى أفلم ييئس : أفلم يعلم . . . ويدل عليه : أن عليا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤوا : أفلم يتبين ، وهو تفسير أفلم ييئس . وقيل : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوي السينات .
وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الامام ، وكان متقلبا في أيدي اولئك الاعلام المحتاطين في دين الله ، المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه ، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها البناء ؟! ! وهذه ـ والله ـ فرية ما فيها مرية » (3) .
فهذا موقف القائلين ببطلان هذه الآثار .
أما الفئة الاولى الدائر أمرهم بين الالتزام بمداليل الآثار وبين التأويل المقبول لدى الانظار ، فقد اختار جمع منهم طريق التأويل . . . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : « الطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لايقبل ، بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل » (4) وقال أيضا في الآية : « أفلم ييأس » : « وروى الطبري وعبد بن حميد ـ بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري ـ عن ابن عباس :
أنه كان يقرؤها : أفلم يتبين . ويقول : كتبها الكاتب وهو ناعس . ومن طريق ابن جريح ، قال : زعم ابن كثير وغيره أنها القراءة الاولى . وهذه القراءة جاءت عن علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي بن بديمة وشهر بن حوشب وعلي ابن الحسين وابنه زيد وحفيده جعفر بن محمد في آخرين قرؤوا كلهم : أفلم يتبين .
وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال صحته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال : ـ وهي والله فرية ما فيها مرية ، وتبعه جماعة بعده والله المستعان ، وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى : (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) قال : (ووصى) التزقت الواو في الصاد . أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه .
وهذه الاشياء ـ وإن كان غيرها المعتمد ـ لكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس من دأب أهل التحصيل ، فلينظر في تأويله بما يليق به » (5) .
وظاهر كلمات ابن حجر في الموردين هو العجز عن الاتيان بتأويل يساعده اللفظ ويرضاه « أهل التحصيل » . . .
نعم ذكر في قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم . . . » (6) : « أخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح : أن ابن عباس كان يقرأ : (حتى تستأذنوا) ويقول : أخطأ الكاتب ، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ومن طريق مغيرة بن مقسم ، عن إبراهيم النخعي ، قال : في مصحف ابن مسعود (حتى تستأذنوا ) . وأخرج سعيد ابن منصور من طريق مغيرة ، عن إبراهيم : في مصحف عبد الله : (حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا) . وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عباس واستشكله . وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده .
واجيب بأن ابن عباس بناها على قراءته التي تلقاها عن ابي بن كعب .
وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم الخروج عما يوافقه . وكان قراءة ابي من الاحرف التي تركت القراءة بها ـ كما تقدم تقريره في فضائل القرآن ـ . وقال البيهقي : يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الاول ثم نسخت تلاوته . يعني : ولم يطلع ابن عباس على ذلك » (7) .
أقول : وفي هذا الجواب نظر من وجوه :
أولا : إن هذا الجواب ـ إن تم ـ فهو توجيه لقراءة ابن عباس ، لا لقوله في كتابة المصحف : « أخطأ الكاتب » .
وثانيا : كون هذه القراءة « من الاحرف التي تركت القراءة بها » يبتني على ما رووه من أنه « نزل القرآن على سبعة أحرف »هذا المبنى الذي اختلفوا في معناه وتطبيقه اختلافا شديدا ، وذكروا له وجوها عديدة لا يرجع شيء منها إلى محصل (8) .
وثالثا : ما احتمله البيهقي يبتني على القول بنسخ التلاوة ، وسيأتي البحث عنه مفصلا .
ورابعا : قول ابن حجر : « يعني : ولم يطلع ابن عباس » غريب جدا ، إذ كيف يخفى على مثل ابن عباس نسخ تلاوة شيء من القرآن وهو حبر هذه الامة وإمام الائمة في علوم القرآن ؟! .
هذا بالنسبة إلى ما رووه عن ابن عباس ونصوا على صحته ، ثم عجزوا عن تأويله « التأويل اللائق » .
وأجابوا عما رووه عن عثمان بجوابين ، ذكرهما السيوطي ـ بعد أن قال : « هذه الآثار مشكلة جدا » ـ وقد نقلنا عبارته سابقا . وقال الشهاب الخفاجي ـ بعد كلام الكشاف : « ولا يلتفت . . . » ـ : « وقيل عليه : لاكلام في نقل النظم تواترا ، فلا يجوز اللحن فيه أصلا ، وهل يمكن أن يقع في الخط لحن بأن يكتب المقيمون بصورة المقيمين بناء على عدم تواتر صورة الكتابة • وما روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا : إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ـ على تقدير صحة الرواية ـ يحمل على اللحن في الخط . لكن الحق : رد هذه الرواية وإليه أشار ـ أي الكشاف ـ بقوله : إن السابقين . . .
أقول : هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبي في الرائية وبينه شراحه وعلماء الرسم العثماني بسند متصل إلى عثمان أنه لما فرغ من المصحف . . . قال السخاوي : وهو ضعيف ، والاسناد فيه اضطراب وانقطاع . . . وتأول قوم (اللحن) في كلامه على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والايماء .
تنبيه : قد نخلنا القول وتتبعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول فآل ذلك إلى أن قول عثمان فيه مذهبان ، أحدهما : أن المراد باللحن ما خالف الظاهر ، وهو موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديرا واحتمالا . وهذا ما ذهب إليه الداني وتابعه كثيرون . والرواية فيه صحيحة .
والثاني : ما ذهب إليه ابن الانباري من أن ( اللحن) على ظاهره ، وأن الرواية غير صحيحة » (9) .
وكأن المتأولين التفتوا إلى كون تأويلاتهم مزيفة ، فالتجؤوا إلى القول بأن تلك الآثار « محرفة » . . . فقد جاء في الاتقان عن ابن أشتة : أنه روى الحديث بإسناده عن عثمان وليس فيه لفظ « اللحن » بل إنه لما نظر في المصحف قال :
« أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا » . قال : « فهذا الاثر لا إشكال فيه وبه يتضح معنى ما تقدم . . . ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم مالزم من الاشكال . فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك » .
قال السيوطي بعد إيراد الاجوبة عن حديث عثمان : « وبعد ، فهذه الاجوبة لا يصح منها شيء من حديث عائشة . أما الجواب بالتضعيف فلان إسناده صحيح كما ترى . . . » ( 10) .
أقول : هذه عمدة ما ورد في هذا الباب مما التزاموا بصحته ، وقد عرفت أن لا تأويل صحيح له عندهم ، فهم متورطون في أمر خطره عظيم ، إما الطعن في القرآن ، وإما الطعن في هؤلاء الصحابة الاعيان ! ! .
ولا ريب في أن نسبة « الخطأ » إلى « الصحابة » أولى منه إلى « القرآن » وسيأتي ـ في الفصل الخامس ـ بعض التحقيق في حال الصحابة علما وعدالة ، هذا أولا .
وثانيا : إن القول بعدم جواز تكذيب المنقول بعد صحته ـ كما هو مذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ غير صحيح ، إذ الحديث إذا خالف الكتاب أو السنة القطعية أو الضروري من الدين أو المجمع عليه بين المسلمين يطرح وإن كان في الكتب المسماة بالصحاح . . . كما سيأتي ـ في الفصل الخامس ـ ذكر نماذج من ذلك . . .

پاورقيها:

(1) البحر المحيط 6 : 445 .
(2) سورة الرعد : 31 .
(3 ) الكشاف 2 : 531 .
(4) فتح الباري وعنه في الاتقان 1 : 270 .
( 5) فتح الباري 8 : 301 .
(6) سورة النور : 27 .
(7) فتح الباري 11 : 6 .
(9) عناية القاضي 3 : 201 .
(10) الاتقان 2 : 320 ـ 326 .

مقالات مشابه

نقد و بررسي روايتي در تحديد قرآن به سه بخش

نام نشریهحسنا

نام نویسندهمحدثه ایمانی

نقد كتاب مقدس: خاستگاه تاريخي ـ معرفتي و تأثير آن بر مطالعات قرآني

نام نشریهمعرفت ادیان

نام نویسندهجعفر نکونام, نفیسه امیری دوماری

تعارض اختلاف قرائات و عدم تحریف قرآن

نام نشریهمطالعات قرآنی

نام نویسندهسیدمرتضی پور ایوانی